فصل: الجملة الثانية في المكاتبات الخاصة إلى خلفاء بني العباس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


 الجملة الثانية في المكاتبات الخاصة إلى خلفاء بني العباس قـال أبـو جعفـر النحـاس‏:‏ وقـد يكاتـب الإمـام بغيـر تصديـر إذا لـم يكـن ذلـك فـي شـيء مـن الأمـور التي سبيلها أن تنشأ الكتب بها من الدواوين‏.‏

كما كتب القاسم بن عبد الله إلى المكتفي مهنئاً له بالخلافة‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وأسأل الله أن يعظم بركة هذا الأمر على أمير المؤمنين وعلى الأمة كافةً‏.‏

أطال الله بقاء أمير المؤمنين‏!‏ وأعزه وأيده وأتم نعمته عليه وأدام كرامته له‏.‏

ثـم قـال‏:‏ وربمـا استحسنـت مكاتبة المرؤوس إلى الرؤوس إلى الرئيس على غير ترتيب الكتاب‏.‏

كما كتب إبراهيم بن أبي يحيى إلى بعض الخلفاء يعزيه‏:‏ أما بعد فإن أحق من عرف حق الله عليه فيما أخذ منه من عظم حق الله عليه فيما أبقاه له واعلم أن أجر الصابرين فيما يصابون أعظم من النعمة عليهم فيما يعافون فيه‏.‏

الطرف الخامس في المكاتبات الصادرة إلى الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية قـد ذكـر فـي مـواد البيـان أن المستعمـل فـي دولتهـم أن يقـال بعد البسملة‏:‏ أفضل صلوات الله وبركاته وأشرف رضوانه وتحياته على مولانا وسيدنا الإمام الفلاني أمير المؤمنين وعلى آبائه الطاهرين وأبنائـه الأكرميـن إن كـان لـه أبنـاء فـإن لـم يكـن لـه أبنـاء قيـل مكان الأكرمين‏:‏ المنتظرين‏.‏

ثم يقال بعد فضاء واسع‏:‏ كتب عبد الموقف النبوي خلد الله ملكه من مقر خدمته بناحية كذا وأمور ما عـذق بـه ورد إلـى نظـره منتظمـةٌ بسعـادة مولانـا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى جده والحمد للـه رب العالميـن وصلـى اللـه علـى سيدنـا محمـد وعلـى آله الطاهرين وسلم تسليماً‏.‏

ثم يقال‏:‏ العبد ينهـي كـذا وكـذا ينـص الأغـراض التـي بنـي الكتـاب علـى إنهائهـا وشـرح حالهـا‏.‏

قـال‏:‏ فـإن كـان الكتـاب مبنيـاً علـى المطالعـة ببعـض الأخبـار قيـل فـي آخـره بعـد فضـاء يسيـر‏:‏ أنهى العبد ذلك ليستقر علمه بالموقـف الأشـرف إن شـاء اللـه تعالـى‏.‏

وإن كـان مبنيـاً علـى الاستثمار في بعض الأحوال قيل في هذا الموضع‏:‏ ولمولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه الرأي العالي في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

وهـذه نسخة كتاب من هذا النمط في جوابٍ عن كتابٍ ورد من الخليفة بالسؤال عن المكتوب عنه في مرضه وهو‏:‏ صلوات الله الزاكية وتحياته الذكية الذاكية وسلامه الذي يتنزل على الروح بالروح ويؤذن من رضا الله بأشرف موهوبٍ وأكرم ممنوح وبركاته التي فيها للمؤمنيـن سكـن وبشفاعتهـا تتقبـل أعمال المؤمن بقبول حسن على إمام الحق المنظور المغني عن المنتظر وحجة الله التي أرسلها نذيراً للبشر وخليفة الله الذي نزلت بمدحه مرتلات السور قبل مرتبات السير وبعثه الله بالنور الذي لا يمكن الكافر من إطفائه وبرهان الله الذي لا يطمع الجاحد في إخفائـه ونائـب النبـوة ووارثها ومحيي القلوب وباعثهـا ومفيـض أسـرار الأنـوار ونافثهـا سيدنـا ومولانـا الإمـام الفلانـي ولا زالت الأقدار له جنوداً وجدوداً والجديدان يسوقان إليه من أيامهما ولياليهما إماءً وعبيداً وعلـى آبائـه الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى ورغبوا عن عرض هذا الأدنى ولا تتهم ولاتهم علـى الخيـان ولا يتـم للثقليـن أن ينفـذوا مـا لـم يكونـوا منهـم بسلطان وعلى أبنائه وجوه الهدى البارزة من الأكنة وأيدي الندى والأعنة والأسنة‏.‏

كتب عبد الموقف النبوي خلد الله ملكه من مقر خدمته بالمكان الفلاني وأمور ما عدق به ورد إلى نظره على أتم حالٍ وأكمله وأحسن نظام وأجمله بسعادة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى جده وآبائه الطاهريـن‏.‏

العبـد ينهـي أنـه لـو أخـذ فـي شكـر المنـن التـي ترقيـه فـي كـل يـوم لهضابٍ بعيدة المرتقى وتورده جمات قريبة المستقى وتوجب علـى لسانـه أن يبـذل جهـد مـن استرسـل وعلى قلبه أن يبذل جهد من اتقى لقصر به الوصف وأعياه من ورق الجنة الخصف‏.‏

وكيف يجاري من يده ديمة الله بقلمه أو كيف ينزح بحر الجود الذي يمده سبعة أبحر نعمه ولما ورد عليه التشريف بالسؤال الذي أحياه بنسيم روحه ونفخ فيه من روحه فوقع له ساجداً وثـاب إلـى السجـود عائـداً وبذلـك مع ضراعته الابتهال جاهداً وأخلص فرض الولاء معتقداً ورفع لواء الحمد عاقداً وكشف عنه الضر وأطلعت على وجهه النعم الغر وتكافت الأنداد في محل عيشـه فحلـي الحلـو ومـر المـر وانتهى من الدعوات إلى ما انتهى به المرض وتفلل منه الجوهر الذي عزل به العرض وصافح بمهجته السهام التي نفذ بها الغرض وكاد يشاهده مرتفعاً به الضنى والألـم وفعلـت أنـواره فـي ظلمتـه مـا لا تفعـل الأنـوار فـي الظلـم ولـم يـرد قبله حلو الأول والآخر مأمون الموارد والمصادر مضمون الشفاء فـي الباطـن والظاهـر عـادت القلـوب علـى الأجسـام بفضلـه وسطت العافية على الأسقام بفضله بل بفصله والله سبحانه يملكه أعناق البلاد كما أجرى على يديه أرزاق العباد إن شاء الله تعالى‏.‏

وكتب في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا‏.‏

الطرف السادس في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني أمية بالأندلس كتب الملوك لخلفاء بني امية بالاندلس وكانت المكاتبة إليهم بالافتتاح بالدعاء بطول البقاء مع الإطناب في الإطراء في شأن الخليفة ومدحـه والثنـاء عليـه والدعـاء لـه والخطـاب فيـه للخليفة بأمير المؤمنين منعوتاً بمولاي وسيدي ونحو ذلـك والتعبيـر عـن المكتـوب عنـه بلفظ الوحدة من تاء المتكلم ونحوها‏.‏

كما كتب أبو المطرف بن المثنـى مـن إنشائـه عـن المنصـور إلـى هشـام بن الحكم يخبره بجريان الصلح بينه وبين الموفق بعد ما كان بينهما من عداوةٍ‏:‏ أطـال الله بقاء أمير المؤمنين‏!‏ مولاي وسيدي وسيد العالمين وابن الأئمة الراشدين عزيزاً سلطانه منيراً زمانه ساميةً أعلامه ماضيةً أحكامه ظاهراً على من ناواه قاهراً لمن عاداه كما يحب أيد الله أمير المؤمنين مولاي وسيدي على أحسن ما يكون عليه‏.‏

العبد المخلص والمولى المتخصص الذي حسن مضمره واستوى سره وجهره ولـاح استبصـاره وجده وتناهى سعيه وجهده في مضمار الجري إلى الطاعة وبذلك إذعانه وانقياده واستعبد إمكانـه وإجهـاده فيمـا يفـي بتمكيـن الإمامة المهدية والخلافة المرضية ويشد مباني المملكة المصدقة لتباشير اليمن والبركة والله سبحانه ولي العون والتأييد والملي بالتوفيق والتسديد لا رب غيره‏.‏

وبعـد أبقـى اللـه أميـر المؤمنيـن فـإن كتابـي إليـه سلـف معربـاً عـن النزغـة التي كانت بيني وبين الموفق مملوكـه وقديمـاً نـزغ الشيطـان بيـن المـرء وصديقه والأخ وشقيقه وضرب ساعيا بالتشتيت والتشغيب والتبعيد والتقريب بين الأب الحاني الشفيق والابن البر الرفيق ثم يعود ذوو البصائر والنهي وأولوا الأحلام والحجا إلى ما هو للشحناء أذهب وبالتجامل أولى وأوجب‏.‏

وكتابي هذا وقد نسخ الله بيننا آية الافتراق بالاتصال والاتفاق ومحاسمة التباين والخلاف وبدو التآلف والإنصاف وعادت النفوس إلى صفائها وانطـوت علـى وفائهـا وخبـت نـار الفتنـة وامتـد رواق الهدنة وثبتت الأسباب الراسخـة والأواصـر العاطفـة بأزمـة قلوبنـا إلـى معاهـد الخلـة القديمـة ومواطن العشرة الكريمة والمعروف من الامتزاج في كل الأحوال والتشابك وجلاء الشك باليقين وقرت بالانتظام العيون وصرنا في القيام بدعـوة أميـر المؤمنيـن مولانـا وسيدنـا رضيعـي لبـان وشريكي عنان وأليفي تناصر وحليفي تظافر فنحن عن قوسٍ واحدة في نصرته نرمي ومن ورائهـا نـذود جاهدين ونحمي قد فتنا الجياد في السبق إلى الطاعة وأحرزنا قصب السبق في المظاهرة والمشايعة فما نفتأ نسعى في تمهيدها ونذهـب ولا ننفـك نكـدح لهـا وننصـب واللـه الكفيل بإنجادنا بعزته وقدرته وحوله وقوته لا إله إلا هو‏.‏

وإن الذي عقده الله تعالى لنا وحسمه من دواعي القطيعة عنا ما اطرد وتأتي وسنح وتهيا إلا بسعد طائر أمير المؤمنين سيدنا ومولانا أعزه الله ويمن بقيبته فمـن تمسـك بعروتـه وعـاد بعصمته فقد فاز قدحه وتبلج في ظلم الأمور صبحه واستدل بأوضح الدليل وعرض بالرأي الأصيل واستنار بأضوإ سراج وسلك على أقصد منهاج ولـم يزايـل الرشـاد آراءه وصاحـب السداد أنحاءه‏.‏

والله تقدس اسمه لا يزال يعرفنا من سعادة الدعوة الزكية ما يصلح به أحوالنا ويفسح به آمالنا بمنه‏.‏

ولما أتاح الله من السلم ما أتاحه وأزاح من المكروه ما أزاحه لم أجد في فسحةً ولا غنًى ولا سعةً من إطلاع أمير المؤمنين مولاي وسيدي من ذلك على الجلية وإعلامه بالصورة فأنهضت إلـى حضرتـه العاليـة ذا الوزارتيـن عبد الرحمن بن مطروح رسولي وعبدي وخاصتي مملوكه لينهي إليه الحال على حقيقتها ويوفيها بكليتها وأقرن به رسول الموفق متحملاً مثل ما تحمله رسولي ومتقلداً كالذي تقلده ولأمير المؤمنين مولاي وسيدي الفضل العميم في الإصغاء إليهما والوعي عنهمـا والسمـاع منهمـا جميـع مـا يوردانـه ويوضحانـه ويستوفيانـه ويشرحانـه والتطـول بالمراجعة فيه بما يستوجبه ويقتضيه واصلاً لعز مننه وأياديه إن شاء الله تعالى‏.‏

الطرف السابع في المكاتبة الصادرة إلى خلفاء الموحدين بالمغرب الكتب إلى خلفاء الموحدين بالمغرب القائم بقاياهم الآن بتونس وما معها من سائر بلاد أفريقية‏.‏

وفيه ثلاثة أساليب الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء وهي على ضربين الضرب الأول أن تكون المكاتبة من ملكٍ آخر والرسم فيه أن تفتتح بالدعاء المنا سب للحال ويعبر المكتوب عنـه عـن نفسـه بنـون الجمـع ويخاطب المكتوب إليه بأمير المؤمنين‏.‏

كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن أحد خلفائهم في سنة خمس وثمانين وخمسمائة يستجيشه على الروم الفرنج القاصدين بلاد الشام والديار المصرية وهو‏:‏ فتـح اللـه بحضـرة سيدنـا أميـر المؤمنيـن وسيـد العالميـن وقسيـم الدنيا والدين أبواب الميامن وأسباب المحاسن وأحله من كفايته في الحرم الآمن وأنجزه من نصرة الحق ما اللـه لـه ضامـن وأصلح به كل رأي عليه الهوى رائن ومكن له في هذه البسيطة بسطه وزاده بالعلم غبطه حتى يكون للأنبياء بالعلم وللأرض بالعزم وارثاً وحتى يشيد بحادثٍ قديماً من مجده الذي لا يزال بغض الحديث حادثاً‏.‏

كان من أوائل عزمنا وفواتح رأينا عند ورودنا الديار المصرية مفاتحة دولة سيدنا وأن نتيمن بمكاتبتها ونتزين بمخاطبتها وننهض إليها أماثل الأصحاب ونستسقي معرفتها استسقاء السحاب وننتجعها بالخواطر ونجعل الكتـب رسلهـا وأيـدي الرسـل سبلهـا ونمسـك طرفـاً مـن حبل الجهاد يكون بيد حضرة سيدنا العالية طرفه ونمسح غـرة سبـقٍ وارثهـا ووارث نورهـا سلفـه ونتجـاذب أعـداء اللـه مـن الجانبيـن لا سيمـا بعـد أن نبنـا عنـه نيابتيـن فـي نوبتين فالأولى تطهير الأرضيـن المصرية واليمنية من ضلالةٍ أغضت عيون الأيام على قذاها وأنامت عيون الأنام بائعةً يقظتهـا بكراهـا ونيابـةً ثانيـة فـي تطهيـر بيـت المقدس ممن كان يعارض برجسه تقديسه ويزعج ببناء ضلالـه تأسيسـه ومـا كـان إلا جنـة إسلـام فخـرج منهـا المسلمـون خـروج أبيهـم آدم مـن الجنة وأعقبهم فيها إبليس الكفر وما أجارته مما أعقبه اللعنة وما كانت لنا بذلك قوة بل لله القوة ولا لنا على الخلق منة بل لله المنة‏.‏

ولما حطت لدين الكفر تيجان وحطمت لذويه صلبان وأخرس الناقوس الأذان ونسخ الإنجيل القرآن وفكت الصخرة من أسرها وخف ما كان على قلب الحجر الأسود بخفة ما كان على ظهرهـا وذلـك أن يـد الكفـر غطتهـا وغمرتهـا فللـه الحمـد أن أحرمـت الصخـرة بذلك البنيان المحيط وطهرها ماطرٌ من دم الكفر وما كان ليطهرها البحر المحيط فهنالك غلب الشرك وانقلب صاغراً واستجاش كافرٌ من أهله كافراً واستغضب أنفاره النافرة واستصرخ نصرانيته المتناصرة وتظاهروا علينا وإن الله مولانا وطاروا إلينا زرافاتٍ ووحدانا فلم يبق طاغيةٌ من طواغيهم ولا أثفية من أثافيهم إلا ألجم وأسرج وأجلب وأرهج وخرج وأخرج وجاد بنفسه أو بولده وبعدده وبعدده وبذات صدره وبذات يده وبكتائبه براً وبمراكبه بحراً وبالأقوات للخيل والرجال والأسلحة والجنن لليمين والشمال وبالنقدين على اختلاف صنفيهما في الجمع وائتلاف وصفيهمـا فـي النفـع وأنهـض أبطـال الباطـل مـن فـارسٍ وراجـلٍ ورامـح ونابل وحافٍ وناعل ومواقف ومقاتل كل خرج متطوعاً وأهطع مسرعاً وأتى متبرعاً ودعا نفسه قبل أن يستدعـى وسعـى إلـى حتفهـا قبـل أن يستسعـى حتى ظننا أن في البحر طريقاً يبساً وحتى تيقنا أن ما وراء البحر قد خلا وعسا وقلنا‏:‏ كيف نترك وقد علم أنه يدرك وزادت هذه الحشود المتوافية وتجافت عنها الهمم المتجافية وكثرت إلى أن خرجت مـن سجـن حصرهـا ومستقـر كفرهـا وبقيـة ثغرهـا وهـو صـور فنازلـت ثغر عكا في أسطولٍ ملك بحره وجمع سلك بره فنهضنا إليه ونزلنا عليهم وعليه فضرب معنا مصاف قتلت فيه فرسانه وجدلت شجعانه وخذلت صلبانـه وسـاوى الضـرب بيـن حاسر القوم ودارعهم وبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم فهنالك لاذوا بالخنادق يحفرونها وإلى الستائر ينصبونها وأخلدوا إلى الأرض متثاقلين وحملوا أنفسهم على الموت متحاملين وظاهروا بين الخنادق وراوحوا بين المجانق وكلما يجـن القتـل مـن عددهـم مائـةً أوصلهـا البحـر ممن يصل وراءه بألف وكلما قلوا في أعيننا في زحف قـد كثـروا فيمـا يليـه مـن الزحـف ولـو أن دربـة عساكرنـا فـي البحر كدربتها في البر لعجل الله منهم الانتصاف واستقل واحدنا بالعشرة ومائتنا بالألف‏.‏

وقد اشتهر خروج ملوك الكفار في الجمع الجـم والعـدد الدهـم كأنهـم إلـى نصـبٍ يوفضـون وعلـى نـارٍ يعرضون ووصولهم على جهة القسطنطينية يسر الله فتحها على عزم الائتمام إلى الشام في منسلخ الشتاء ومستهل الصيف والعساكر الإسلامية لهم تستقبل وإلى حربهم تنتقل فلا يؤمن على ثغور المسلمين أن يتطرق العدو إليهم وإليها ويفرغ لها ويتسلط عليها والله من ورائهم محيط‏.‏

وإذا قسمت القـوة علـى تلقي القادم وتوقي المقيم فربما أضر بالإسلام انقسامها وثلمه والعياذ بالله انثلامها‏.‏

ولما مخض النظر زبده وأعطى الرأي حقيقة ما عنده لم نر لمكاثرة البحر إلا بحراً من أساطيله المنصورة فإن عددها وافٍ وشطرهـا كـافٍ ويمكنـه أدام اللـه تمكينـه أن يمـد الشـام منـه بعـد كثيف وحد رهيف ويعهد إلى واليه أن يقيم إلى أن يرتبع ويصيف ويمكنه أن يكف شطراً لأسطول طاغية صقيلة ليحص جناح قلوعه أن تطير ويعقل عباب بحره أن يغير ويعتقله في جزيرته ويجري إليه قبل جريرته فيذهب سيدنا وعقبه بشرف ذكرٍ لا ترد بـه المحامـد علـى عقبها ويقيم على الكفر قيامةً يطلع بها شمس النصر من مغربها فإذا نفذ طريقه وعلم الناس بموفده أوردوا وأصدورا في مورده وشخص المسلم والكافر‏:‏ هذا ينتظر بشرى البدار وهذا يستطلع لمن تكون عقبى الدار وخاف وطأة من يصل من رجال الماء من وصل من رجال النار‏.‏

ولو بزقت عليهم بازقةٌ غربية لأغرقهم طوفانها ولو طلعت عليهم جاريةٌ بحرية لنعقت فيهم بالشتات غربانها‏.‏

وما رأينا أهلاً لهذه العزمة إلا حضرة سيدنا أدام الله صدق محبة الخير فيـه إذا كـان منحـه عادة في الرضى به وقدرةً على الإجابة ورغبةً في الإنابة ولاية لأمر المسلمين ورياسة للدنيا والدين وقياماً لسلطان التوحيد القائم بالموحدين وغضباً لله ولدينه وبذلاً لمذخوره في الذب عنه دون ما عوده والـآن فقـد خـلا الإسلـام بملائكتـه لمـا خـلا الكفـر بشياطينـه ومـا أجلـت السوابق إلا لإطلاقها ولا أثلت الذخائر إلا لإنفاقها وقد استشرف المسلمون طلوعها من جهته المحروسة جاراً من الأساطيل تغشى البحار وليالي من المراكب تركب من البحر النهار وإذا خفقت قلوعها خفقت للقلاع قلوب وإذا تجافت جنوبها عن الموج تجافت من الملاعين جنوب فهي بين ثغر كفر تعتقله وتحصره وبين ثغر إسلام تفرج عنه وتنصره يكون بها مصائب عند المسلميـن وتظـل قلائـد المشركيـن لغربـان بحـره طرائـد ويمضـي سيـف الله الذي لا يعدم في كل زمان فيعلم معه أن سيف الله خالد أعز الله الإسلام بما يزيد حضرة سيدنا من عزها فيما مد عليها من ظلها وبما يسكنه من حرزها فيما يبسط على الأعداء بها من بأسها وينزل بهم من رجزها وبما يجرده من سيوفها التي تقطع في الكفر قبل سلها وهزها‏.‏

وقد أوفدناه على باب حضرة سيدنـا وهـو الداعـي المسمـع والمبلـغ المقنـع والمجمـع المستجمـع علمناه أمراً يسراً وبوأناه الصدر فكان وجهاً وأودعناه السر فكان صدراً‏.‏

الضرب الثاني أن تكون المكاتبة صادرةً عن بعض الأتباع والرسم فيه أن تفتتح المكاتبـة بالدعـاء بطـول البقـاء مثـل أن يكتـب أحـد أتباعـه إليـه ويعبـر المكتـوب عنـه عـن نفسـه بلفـظ الإفـراد وعـن الخليفـة بأميـر المؤمنيـن‏.‏

كمـا يكتـب أبـو الميمـون عن بعض أهل دولتهم إلى بعض خلفائهم جواب كتاب ورد بالكشف عن عامل ثغر شقورة‏:‏ أطال الله بقاء أمير المؤمنين وناصر الدين والدنيا بفضله العميم ولا برحت مصالح العباد بباله الكريـم جائلـةً ماثلـة وسيرتـه الحميـدة لدانيهـم وقاصيهـم شاملـةً كافلـة ولا زال للـه فـي أرضه بالقسط قائماً وعلى ما ينفع الناس محافظاً دائماً‏.‏

كتبته أيد الله أمره‏!‏ صدر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعد امتثال ما حده والانتهاء إلى ما وجب الانتهاء عنده من أمر ثغر شقورة حرسه الله‏!‏ على ما أنص مناقله وأعرض مراتبه ومنازله وذلك أن كتابه العزيز وافاني على يد رجل من أهلها فيه فصولٌ رفعها وأحاديث سطرها وجمعها واندرج الكتاب المرفوع بذلك طيه لنيظـر إليـه مـن ادعـى عليهـم رفعه ويستبين حقيقته أو وضعه وبإبطـاء هـذا الرافـع سبقتـه الأنبـاء واستقـرت عنـد جمعهـا الأفراض والأنحاء فاجتمعوا إلى عاملهم فلانٍ وفقه الله وحضرهم حاكم الجهة أبقاه الله وتتبعوا تلك الوجـوه بالـرد لهـا والإنكـار علـى القائـم بهـا وعقـدوا فـي كـل عقـد منهـا عقـداً يناقضـه واستظهروا بشهادات تنافيه وتعارضه واندرجت العقود ثابتةً في كتاب الحاكم على السبيل المعهود في إثبات العقود فثبتت عندي لثبوتها عنده وخاطبوني مع ذلك متبرين من هذا الواقع واضعيـن لـه فـي عقلـه ودينـه بأحـط المواضع وصرحوا بارتضائهم بسيرة عاملهم واغتباطهم بحمايته وسـداد نظـره وعلـى تئفـة ذلك وصل هذا الرافع بالكتاب العزيز وما اندرج طيه على ما قدمت ذكره فاستأنفت النظر وأعدت العمل وخاطبت الحاكم والأعيان والكافة هنالك بما ورد في أمرهم وأردفت الكتاب المرفوع ليقفوا على نصه وينظروا إلى شخصه فراجعوني أنه لا مزيد عندهم على ما قدموه ولا خلاف فيما نقـدوه وأحكمـوه وأحالـوا علـى مـا تثبـت بـه العقـود وهـي من الناس المقاطع والحدود فاقتضى النظر إعلام أمير المؤمنين وناصر الدين أعلى الله أمره حسب ما حده بما وقعـت عليـه الحـال ليرتفـع الإشكـال ولا يتعلـق بهـذه الحيبـة البـال‏.‏

وقـد أدرجت إلى حضرته السامية الكتب المذكورة لتعرض عليها وتستقر الجلية منها لديها إن شاء الله‏.‏

واندرجت العقود إلى الفقيه فلان قاضي الحضرة وفقة الله والله يشكر لأمير المؤمنين وناصر الدين تحريه واجتهاده وتوفيقه وسداده ويوالي مـن والـاه ويكيـد مـن عـاداه‏.‏

ولـو كانـت الحـال بشقورة على ما صوره هذا الرافع لما انطوت عنـي أسراراهـا ولاخفيـت علـي علـى البعـد أخبارهـا وسفـوف إلـى فلانـة بيـن وهـو متشـرع متدين وعضده على ما هو بسبيله في ذلك الثغر الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بألقاب الخليفة نفسه ثم يؤتى بالصدر معبراً عن المكتوب عنه بالعبد ومخاطباً للخليفة بميم الجمع للتعظيم ويختم الكتاب بالسلام وهو على ضربين الضرب الأول أن يوصف الخليفة بالمقام كما كتب أبو الميمون أيضاً عن بعض أهل دولتهم إلى الناصر لدين الله أحد خلفائهم‏:‏ المقـام الأعلـى المقـدس المكرم الإمامي الطاهر الزكي مقام الخليلة المؤيد بنصر الله الإمام الناصر لدين الله كلأ الله جلالهم وفيأ ظلالهم وبوأ وفور السعود ووجود الظهور والصعـود مواطئهـم المقدسـة وحلالهـم عبدهـم المتقلـب فـي نعمتهـم المتقرب إلى الله عز وجل بالمناصحة في خدمتهم المتسبب إلى الزلفى عندهم بالتزام طاعتهم والاعتصام بعصبتهم فلان‏.‏

كتب عبد المقام الأعلى والندي الذي أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان واحتوى على الفضائـل واستولـى مـن موضـع كـذا حمـاه اللـه تعالـى وجنانـه لطاعتكـم قطـب ولسانـه بشكـر نعمتكم رطب فبتلك رجاء الفوز وبها ابتغاء نيـل الآمـال والحـوز وكيـف لا يطاوعـه الجنـان وشكـر اللسـان مستمـد لـإدرار الإحسـان وللمقـام الأسنـى عوارف لا يتقلص ظلها الوارف وقطراتٌ بالرحمة مسطراتٌ بمدرار سحابها الواكف وقد كانت للعبد سهام فاضت عليه بها من النعمة رهـام ثـم جـزر المـاء باسرجاعهـا الـآن وسقـي العبـد بانتزاعهـا كـأس الحـزن ملـآن وردت لك بهذه الجهة انقطاع المواساة وامتناع الألسن بالمكابدة لشظف العيش والمقاساة وإلى المقام الأعلى الأسنة نفزع حين نفزع ونذهب حين نرجو ونرهب ونلجا فلا تؤخر طلباتنا ولا ترجا وخدمة العبد هذه تنوب عنه في تقبيل ذلك المقام الأسمى‏.‏

والتعرض لما عهد لديه من نفحات الرضى والتضرع في إدرار ما جزر من تلك المنة وغيضٍ من فيض تلك النعمى وينهي من رغبته في بركة تلك الأدعية التي هي للخيرات كالأوعية ما يرجوه بشفاعة تأكد الامتنان ومجرد عوارف الرأفة والحنان إن شاء الله تعالى‏.‏

والرب تعالى يبقي المقام الأعلى والنصر له مظاهر والخير لديه متظاهر والسعد لوليه ناصـر ولعدوه قاهر بحول الله تعالى وقوته لارب غيره ولا خير إلا خيره والسلام‏.‏

الضرب الثاني أن يعبر عن الخليفة بالحضرة كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن صاحب أرغون من الأندلس إلى المستنصر بالله أحد خلفائهـم يستأذنـه فـي وفـادة صاحـب أرغون في الأندلس أيضاً على أبواب الخلافة مغاضباً لأهل مملكته‏:‏ الحضرة الإمامية المنصورة الأعلام الناصرة للإسلام المخصوصة من العـدل والإحسـان بمـا يجلـو نوره متراكم الإظلام حضرة سيدنا ومولانا الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أبي يعقوب ابـن سادتنـا الخلفـاء الراشدين وصل الله لها إسعاد القدر وإنجاد النصر والظفر ولا زال مقامها الأعلى سامي النظر مبارك الورد والصدر ويفيض منه الجود فيض المطر ويحيط بـه السعود إحاطة الهالة بالقمر‏.‏

نشأة أيامها الغر وربي إنعامها المواظب على الحمد والشكر المشرف باستخدامها الـذي هـو نعم العون على التقوى والبر عبدها وابن عبدها فلان‏.‏

سلام الله الطيب المبارك وتحياته تخـص المقـام الأشـرف الأعلـى ورحمـة اللـه وبركاتـه‏.‏

وبعـد فكتب العبد كتب الله للمقام الأعلى فتوحاً يعم جميع الأمصار وسعوداً يقضي بفـل السمـر الطوال والبيض القصار من بلنسية وبركاته تظهر ظهور النهار وتفيض على البلاد والعباد فيض الأنهار فالخلق من واردٍ في سلسالهـا المعيـن وراجٍ للـذي منهـا وهـو مـن رجائـه علـى أوضـح مراتب اليقين والله يبقي عز الإسلام ببقائه ويعيننا على امتثال أوامره المباركة معشر عبيـده وأرقائه‏!‏ بمنه‏.‏

وقد تقرر له من المقام الكريم أدام الله علوه وكبت عدوه أمر بالسك وطال ماله فـي البلـاد الأرغونية من زعامةٍ في شأوها برز ولغايتها أحرز وكان قد كفل صاحب أرغون في الزمان المتقدم كفالةً دار أمرها عليه وألقـي زمامهـا إليـه وتفـرد منهـا بعـبء وحملـه وخطـة بلـغ منهـا أمله ثم إنه حط من رتبتهن وتأكدت المبالغة في نكبته لقضيته عرضت له من أهل أرغون فلفظته تلك الجنبات وأزعجه أمرٌ لم يمكنه عليه الثبـات ورأى أن يلـج أ أأ أ بحالـه إلـى المقـام الباهر الأنـوار العزيـز الجـوار فواصـل هـذا الموضـع قبـل مقـدم العبـد عليـه مقـرراً مـا نـزل بـه ومستأذناً في الوجه الذي تعرض لطلبه فأذن له في مقصده وانصرف عن التأهب للحركة من بلـده‏.‏

ثـم لمـا وصـل العبـد هـذه الجهـة وفرغ هو من شأنه أقبل متوجهاً إلى الباب الكريم ومتوسلاً بأمله إلى فضله العميم والظاهر من حنقه على أهل أرغون وشده عداوته لهم وما تأكد من القطيعة بينه وبينهم أنه إن صادف وقت فتنة معهم ووجد ما يؤمله من إحسان الأمر العالي أيده الله فينتهي من نكايتهم والإضرار بهم إلى غايةٍ غريبة الآثار مفضيةٍ به إلى درك الثار وكثيـرٌ مـن زعمـاء أرغون ورجالها أقاربه وفرسانه وكلهم في حبله حاطب ولإنجاده متى أمكنه خاطب وللمقام الكريم أعلى الرأي فيه أبقاه الله شافياً للعلل وكافيـاً طـوارق الخطـب الجلـل مأمولاً من ضروب الأمم وأصناف الملل وهو سبحانه يديم سعـادة جـده ويخصـه مـن البقـاء الذي يسر أهل الإيمان ويضاعف بهجة الزمان بأطوله وأمده والسلام‏.‏

أن تفتتح المكاتبة بأوصاف الخلافة والثناء عليها والخطاب فيه بأمير المؤمنين وعن المكتوب عنه بنون الجمع وهذه المكاتبة من المكاتبات البديعة المسفرة عن صبح البلاغة‏.‏

ونسختها بعد البسملة على ما كتب به ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر صاحب الأندلس إلى المستنصر بالله أبي إسحاق إبراهيم خليفة الموحدين يومئذ بالأندلس‏.‏

والاستفتاح‏:‏ الخلافة التي ارتفع عن عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف واستقلت مباني فخرها الشائع وعزهـا الذائـع علـى ما أسسه الأسلاف ووجب لحقها الجازم وفرضها اللازم الاعتراف ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف فامتزاجنا بعلائها المنيف وولائها الشريف كما امتزج الماء والسلاف وثناؤنا على مجدها الكريم وفضلها العميم كما تأرجت الرياض الأفواف لما زارها الغمام الوكاف ودعاؤنا بطول بقائها واتصال علائها يسمو به إلى قرع أبواب السموات العلا الاستشراف وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة وفواضلها العميمة لا تحصـره الحـدود ولا تدركه الأوصاف‏.‏

وإن عـذر فـي التقصيـر عـن نيـل ذلـك المـرام الكبيـر الحـق والإنصـاف خلافـة وجهـة تعظيمنـا إذا توجهـت الوجـوه ومـن نؤثـره إذا همنـا مـا نرجوه ونفديه ونبديه إذا استمنح المحبوب واستدفع المكروه السلطان الخليفة الجليل الكبير الشهير الإمام الهمام الأعلـى الأوحـد الأصعـد الأسعـد الأسمـى الأعـدل الأفضـل الأسنـى الأطهـر الأظهر الأرضـى الأحفـل الأكمـل أميـر المؤمنيـن أبـي إسحـاق ابـن الخليفة الإمام البطل الهمام عين الأعيان وواحد الزمان الكبير الشهير الطاهر الظاهر الأوحد الأعلى الحسيب الأصيل الأسمى العادل الحافل الفاضـل المعظـم الموقـر الماجـد الكامـل الأرضـى المقـدس أميـر المؤمنيـن أبـي يحيى ابي بكر ابن السلطان الكبير الجليل الرفيع الماجد الظاهر الطاهر المعظم الموقر الأسمى المقدس المرحوم أبي زكريا ابن الخليفـة الإمـام المجاهـد الهمـام الإمـام ذي الشهرة الجامحة والمفاخر الواضحة علم الأعلام فخر حبـارى فـإذا اعلمـت هـذه الحسبـة قيـل من هنا جاءت النسبة طرد النمر لما عظم أمره وأمر فنسخ وجوده بعدمه وابتزه الفروة ثم لطخه بدمه وكأن مضاعف الورد نثر عليه مـن طبقـه أو الفلـك لمـا ذهـب الحلـك مـزج فيـه بيـاض صبحـه بحمرة شفقه وقرطاسيٍّ حقه لا يجهل حتى ما ترقى العين فيه تشهل إن نزع عنه جله فهو نجمٌ كله انفرد بمادة الألوان قبل أن تشوبهـا يـد الأكـوان وتمزجهـا أقلـام الملـوان يتقـدم منه الكتيبة المقبلة لواءٌ ناصع أو أبيض مماصع لبس وقار المشيب في ريعان العمر القشيـب وانصتـت الآذان من صهيله المطيل المطيب لما ارتدى بالبياض إلى نغمة الخطيب وإن تعتب منه للتأخير المتعتب قلنا الواو لا ترتب ما بين فحل وحره وبهرمانة ودره ويا لله من ابتسام غره ووضوح يمنٍ في طره وبهجةٍ للعين وقره وإن ولع الناس بامتداح القديم وخصوا الحديث بفري الأديم وأوجب المتعصب وإن أبى المنصـب مرتبـة التقديـم وطمـح إلـى رتبـة المخـدوم طـرف الخديم وقرن المثري بالعديم وبخسٌ في سوق الحسـد الكيـل ودجـى الليـل وظهـرٌ فـي فلـك الإنصـاف الميـل لمـا تذوكـرت الخيـل فجيـىء بالوجيـه والخطـار والذائـد وذي الخمار وداحسٍ والكسب والأبجر وزاد الركب والجموح واليحمـوم والكميـت ومكتـوم والأعـوج وحلـوان ولاحقٍ والغضبان وعفور والزعفران والمحبر واللعاب والأغر والغراب وشعلة والعقاب والفيـاض واليعقـوب والمذهـب واليعسوب والصحون والقطيب وهيدب والصبيب وأهلوب وهـداج والحـرون وخـراج وجلـوى والجنـاح والأحـوى ومجـاج والعصـا والنعامـة والبلقـاء والحمامة وسكاب والجرادة وحوصاء والعرادة‏.‏

فكم بين الشاهد والغائب والفروض والرغائـد وفـرق مـا بيـن الأثـر والعيـان غنيٌ عن البيان وشتان بين الصريح والمشتبه ولله القائل في مثلها خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به والناسخ يختلف به الحكم وشر الدواب عند التفضيل بين هذه الدواب الصم البكم إلا ما ركبه نبيٌ أو كان له يوم الافتخار برهان خبي ومفضلٌ ما سمـع علـى مـا رأى غبـي فلـو أنصفـت محاسنهـا التـي وصفـت لأقضمـت حـب القلـوب علفـا وأوردت ماء الشنينة نطفا واتخذت لها من عذر الخدود الملاح عذر موشية وعللت بسفيـر إلى الرقيق الخليق بالحسن الحقيق تسوقه إلى مثوى الرعاية روقة الفتيان رعاته ويهدي عقيقها من سبجه أشكالاً تشهد للمخترع سبحانه بإحكام مخترعاته وقفت ناظر الاستحسان لا يريم لما بهره منظرها الكريم وتخامل الضليم وتضاءل الريم وأخرس مقوله اللسان وهو بملكات البيان الحفيظ العليم وناب لسان الحـال عـن لسـان المقـال عنـد الاعتقـال فقـال يخاطـب المقـام الـذي أطلعت أزهارها غمام وجوده واقتضت اختيارها بركة وجوده‏:‏ لو علمنا أيها الملك الأصيل الذي كرم منه الإجمال والتفصيل أن الثناء يوازيها لكلنا لك بكيلك أو الشكر يعادلها ويجازيها لتعرضنـا بالوشل إلى نيل نيلك أو قلنا‏:‏ هي التي أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر بقوله‏:‏ أدرك بخيلك حين شرق بدفعه الشرق وانهزم الجمع واستولى الفرق واتسـع فيـه والحكـم للـه الخرق ورأى أن مقام التوحيد بالمظاهرة علـى التثليـث وحزبـه الخبيـث هـي الأولـى والأحـق‏.‏

والآن قد أغنى الله بتلك النية عن إنجاد الطوال الردينية وبالدعاء بتلك المثابة الدينية إلى رب البنيـة عـن الأمـداد السنية والأجواد تخوض بحر الماء إلى بحر المنية وعن الجرد العربية في مقاود الليوث الأبية وجدد برسم هذه الهدية مراسيم العهود الودية والذمم الموحدية لتكون علامـةً على الأصل ومكذبه لدعوه الوقف و الفصل وإشعاراً بالألفة التـي لا تـزال ألفهـا ألـف الوصـل ولامها حرام على النصل‏.‏

وحضـر بيـن يدينـا رسولكـم فلـان فقـرر مـن فضلكـم مـا لا ينكـره مـن عـرف علـو مقداركـم وأصالة داركم وفلـك أبداركـم وقطـب مداركـم وأجبنـاه عنـه بجهـدٍ مـا كنـا لنقنـع مـن حنـاه المهتصر بالقضيب المختصر ولا نقابل طول طوله بالقصر لولا طروء الحصر‏.‏

وقد كان بين الأسلاف رحمة الله عليهم ورضوانه ودٌ أبرمت من أجل الله معاقـدة وورثـت للخلوص الجلـي النصـوص مضاجعـه القـاره ومراقـده وتعاهـدٌ بالجميـل توجـع لفقـده فاقـده أبـى الله إلا أن يكون لكم الفضل في تجديده والعطف بتوكيده فنحن الآن لا ندري أي مكارمكم نذكر أو أي فواضلكم نشرح أو نشكر أمفاتحتكم التي هي عندنا في الحقيقة فتح أم هديتكم وفي وصفها للأقلام سبح ولعدو الإسلام بحكمة حكمتها كبح إنما نكل الشكر لمن يوفي جزاء الأعمـال البـرة ولا يبخـس مثقـال الـذرة ولا أدنـى مـن مثقـال الـذرة ذي الرحمـة الثرة والألطاف المتصلة المستمرة لا إله إلا هو‏.‏

وإن تشوفتم إلى الأحوال الراهنة وأسباب الكفـر الواهيـة بقـدرة اللـه الواهنـة فنحـن نطرفكـم بطرفها ونطلعكم على سبيل الإجمال بطرفها وهو أننا لما أعاد الله من التمحيص إلى مثابة التخصيص من بعد المرام العويص كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة ووقفنا على سبيله مساعي الحياة القصيرة ورأينا كما نقل إلينا وكرر على من قبلنا وعلينا أن الدنيا وإن غر الغرور وأنام على سرر الغفلة السرور فلم ينفع الخطور على أجداث الأحباب والمرور جسر يعبر ومتاعٌ لا يغبـط مـن حبـي بـه ولا يحبـر إنما هو خبر يخبر وأن الحسرة بمقدارها على تركه تجبر وأن الأعمار أحلام وأن الناس نيام وربما رحل الراحل عـن الخـان وقـد جللـه بالـأذى والدخـان أو تـرك بـه طيباً وثناءً يقوم بعده للآتي خطيباً فجعلنا العدل في الأمور ملاكاً والتفقد للثغور مسواكـاً وضجيع المهاد حديث الجهاد وأحكامه مناط الاجتهاد وقوله‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارةٍ ‏"‏ من حجج الاستشهاد وبادرنا من الحصون المضاعة وجنح التقية دامسٍ وساكنها بائس والأعصم في شعفاتها من العصمة يائس فزينا ببيض الشرفات ثناياها وأفعمنا بالعذب الفرات ركاياها وغشينا بالصفيح المضاعف أبوابها واحتسبنا عند موفي الأجور ثوابها وبيضنا بناصع الكلس أثوابها فهي اليوم توهم حس العيان أنها قطعٌ من بيض العنان تكاد تناول قرص البدر بالبنان متكلفـةٌ للمؤمـن مـن فـزع الدنيـا والآخـرة بالأمـان وأقرضنـا اللـه قرضـا وأوسعنـا مدونة الجيش عرضا وفرضنا إنصافه مع الأهلة فرضا واستندنا من التوكل على الله الغني الحميد إلى ظل لواء وبنذنا إلى الطاغية عهده على سواء وقلنا‏:‏ ربنا أنت العزيز وكل جبار لعزك ذليل وحزبك هو الكثير وما سواه فقليل أنت الكافي ووعدك الوعد الوافي فأفض علينا مدارع الصابرين واكتبنا من الفائزين بحظوظ رضاك الظافرين وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم فتحركنا أولى الحركات وفاتحة مصحف البركـات فـي خـفٍّ مـن الحشـود واقتصـارٍ علـى مـا بحضرتنـا مـن العساكـر المظفـرة والجنـود إلـى حصـن آش البازي المطل وركاب العدو الضال المضـل ومهـدي نفثـات الصـل علـى امتناعـه وارتفاعـه وسمـو يفاعـه ومـا بـذل العـدو فيـه مـن استعداده وتوفير أسلحته وأزواده وانتخاب أنجاده فصلينا بنفسنا ناره وزاحمنا عليه الشهـداء نصابـر أواره ونلقـى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة وجلامده الملمومة وأحجاره حتى فرعنا بحول من لا حول ولا قوة إلا به أبراجه المنيعة وأسواره وكففنا عن العباد والبلاد أضـراره بعـد أن استضفـن إليـه حصـن السهلة جاره ورحلنا عنه بعد أن شحناه رابطةً وحاميـة وأزواداً ناميـة وعملنـا بيدنـا فـي رم مـا ثلـم القتـال وبقـر مـن بطون مسالحه الرجال واقتدينـا بنبينـا صلـوات اللـه عليه وسلامه في الخندق لما حمى ذلك المجال ووقع الارتجاز المنقول خبره والارتجـال ومـا كـان ليقـر للإسلـام مـع تركـه القـرار وقـد كتـب الجـوار وتداعـى الدعـرة وتعاوى الشرار‏.‏

وكنا أغزينا الجهة الغريبة من المسلمين بمدينة برغة التي سدت بين القاعدتين‏:‏ مالقة ورنـدة الطريق وألبست ذل الفراق ذلك الفريق ومنعتهما أن يسيغا الريق فلا سبيل إلى الإلمام لطيف المنام في الأحلام ولا رسالة إلا في أجنحة هدي الحمام فيسر الله فتحها وعجل منحها بعد حرب انبتت فيها النحور وتزينت الحور وتبع هذه الأم بناتٌ شهيرة وبقع للزرع والضرع خيرة فشفي الثغر من بوسه وتهلل وجه الإسلام بتلك الناحية بعد عبوسه‏.‏

ثم أعملنا الحركة إلى مدينة الجزيرة على بعد المدى وتعلقها على بلاد العدا واقتحام هول الفلا وغول الردا مدينةٌ بنتها حمص فأوسعت الدار وأغلت الشوار وراعت الاستكثار وبسطت الاعتمار رجح إلينا قصدها على البعد والطريق الجعد ما آسفت به المسلمين من استئصال طائفةٍ من أسراهم مروا بها آمنين وبطائرها المشؤوم متيمنين قد أنهكهم الاعتقال والقيود الثقال وأضرعهـم الإسـار وجللهم الانكسار فجدلوهم في مصرعٍ واحد وتركوهم عبرةً للرائي والمشاهد وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكلً الواحد وترة الماجد فكبسناها كبساً وفجأناها بإلهام من لا يضل ولا ينسى فصبحتها الخيل ثم تلاحق الرجل كما جن الليل وحاق بها الويل فأبيـح منهـا الذمـار وأخذهـا الدمـار ومحقـت مـن مصانعهـا البيض الأهلة وخسفت الأقمار وشفيت من دماء أهلها الضلوع الحرار وسلطت على هياكلهـا النـار واستولـى علـى الآلـاف العديدة من سبيها الإسار وانتهى إلى إشبيلية الثكلى المغار فجلل وجوه من بها مـن كبـار النصرانية الصغار واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله الأوقار‏.‏

وعدنا والأرض تموج سبياً لم نترك بعفرين شبـلاً ولا بوجـرة ظبيـاً والعقائـل حسـرى والعيـون تبهرهـا الصنـع الأسـرى وصبـح السرى قد حمد بعد بعد المسرى فسبحان الذي أسرى‏.‏

ولسان الحمية ينادي في تلك الكنائس المخربة والنوادي يا لثارات الأسرى‏.‏

ولم يكن إلا أن نفلت الأنفال ووسمت بالأرضاخ الأغفـال وتميـزت الهـوادي والأكفـال وكـان إلـى غزو مدينة جيان الاحتفال قدنا إليها الجرد تلاعب الظلال نشاطاً والأبطال تقتحم الأخطار رضاً بما عند الله واغتباطاً والمهندة الزرق تسبـق إلـى الرقـاب استلـالاً واختراطـاً والردينيـة السمر تسترط حياة النفوس استراطاً وأزحنا العلل عمن أراد جهاداً منجياً غباره من دخان جهنم ورباطاً ونادياً الجهاد الجهـاد يـا أمـة الجهـاد رايـة النبـي الهـاد الجنـة الجنـة تحـت ظلـال السيـوف الحـداد فهـز النـداء إلـى اللـه تعالـى كـل عامر وغامر وأتمر الجم من دعوة الحق إلى أمر آمر وأتى الناس من الفجوج العميقة رجالاً وعلى كل ضامر وكاثرت الرايـات أزهـار البطـاح لونـاً وعدا وسدت الحشود مسالك الطريق العريضة سدا ومد بحرهـا الزاخـر مـدا فـلا يجـد لهـا الناظر ولا المناظر حدا‏.‏

وهذه المدينة هي الأم الولود والجنة التي في النار لسكانها من الكفار الخلود وكرسي الملك ومجنبته الوسطى من الممالك باءت بالمزايا العديـدة ونجحـت وعنـد الـوزان بغيرهـا مـن أمـات البلدان رجحت غاب الأسود وجحر الحيات السود ومنصب التماثيل الهائلة ومعلق وأدنينا إليها المراحل وعينا لتجار المحلات المستقلات منها الساحل ولما أكثبنا جوارها وكدنا نلمح نارها تحركنا ووشاح الأفق المرقوم بزهر النجوم قد دار دائره والليـل مـن خـوف الصباح على سرحه المستباح قد شابت غدائره النسر يرفرف باليمن طائره والسماك الرامح يثأر ثغر الإسلام ثائره والنعائم راعدة فرائس الجسد من خوف الأسد والقوس يرسل سهـم السعـادة بوتـر العـادة إلـى أهـداف النعـم المعـادة والجـوزاء عابـرةٌ نهـر المجـرة والزهـرة تغـار من الشعرى العبور بالضرة وعطارد يسدي في حيل الحروب على البلد المحروب ويلحم ويناضل على أشكالها الهندسية فيفحم والأحمر يبهر والعلم الأبيض يفري وينهر والمشتري يبديء في فضل الجهاد ويعيد ويزاحم في الخلفات على ما للسعادة من الصفات ويزيد وزحل على الطالع منزحل وعن العاشر مرتحل وفي زلق السقـوط وحـل والبـدر يطـارح حجـر المنجنيـق كيـف يهوي إلى النيق ومطلع الشمس يرقب وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها ينقب‏.‏

ولما فشا سر الصباح واهتزت أعطاف الرايات لتحيات مبشـرات الريـاح أطللنـا عليهـا أطلـال الأسود على الفرائس والفحول على العرائس فنظرنا منظراً يروع بأسـاً ومنعـه ويـروق وضعـاً وصنعه تلفعـت معالقـه الشمـا للسحـاب ببـرود ووردت مـن غديـر المـزن فـي بـرود وأسرعـت لاختطـاف أزهـار النجـوم والـذراع بين النطاق معاصم رود وبلداً يعيي الماسح والذارع وينتظم المحاني والأجارع فقلنا‏:‏ اللهم نفله إيدي عبادك وأرينا فيه آيةً من آيات جهادك فنزلنا بساحتها العريضة المتون نزل الغيث الهتون وتيمنا من فحصهـا الأفيـح بسـورة التيـن والزيتـون متربة من أمان الرحمان للبلد المفتون وأعجلنا الناس بحمية نفوسهم النفيسة وسجية شجاعتهم البئيسه عن أن نبويء للقتال المقاعد وندني بإسماع شهير النفير منهم الأباعد وقبل أن يلتقي الخديم بالمخدوم ويركع المنجنيق ركعتي القدوم فدفعوا من أصحر إليهم من الفرسان وسبق أن حومة الميدان حتى أجحروهم في البلد وسلبوهم لباس الجلد في موقفٍ يذهل الوالد عن الولد صارت السهام فيه غماما وطارت كأسراب الحمام تهدي حماما وأضحت القنا قصدا بعد أن كانت شهابـاً رصـدا ومـاج بحـر القتـام بأمـواج النصـول وأخـذ الـأرض الرجفـان لزلـزال الصياح الموصول فلا ترى إلا شهيداً تظلل مصرعه الحور وصريعاً تقذف به إلى الساحل أمواج تلك البحور ونواشب تبأى بهـا الوجـوه الوجيهـة عنـد اللـه والنحـور فالمقضـب فـوده يخضـب والأسمر غصنه يستثمر والمغفر حماه يخفر وظهور القسي تقصم وعصم الجند الكوافر تفصم وورق اليلب في المنقلب يسقط والبتر تكتـب والسمـر تنقـط فاقتحـم الربـض الأعظـم لحينـه وأظهـر اللـه لعيـون المبصريـن والمتبصريـن عـزة دينـه وتبـرأ الشيطـان مـن خدينـه ونهـب الكفار وخذلوا وبكل مرصدٍ جدلوا ثم دخل البلد بعده غلابا وجلل قتلاً واستلابا‏.‏

فلا تسل إلا الظبى والأسل عن قيام ساعته وهول يومها وشناعته وتخريب المبائت والمباني وغنى الأيدي من خزائن تلك المغانـي ونقـل الوجـود الـأول إلـى الوجـود الثانـي وتخـارق السيـف فجـاء بغيـر المعتاد ونهلت القنا الردينية من الدماء حتى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد وهمت أفلاك القسي وسحت وأرنت حتى بحت ونفدت موادها فشحت بما ألحت وسدت المسالك جثث القتلى فمنعت العابر واستأصـل اللـه مـن عـدوه الشأفـة وقطـع الدابـر وأزلـف الشهيـد وأحسـب الصابـر وسبقـت رسـل الفتـح الـذي لـم يسمـع بمثله في الزمن الغابر تنقل البشرى من أفواه المحابر إلى الآذان المنابر‏.‏

أقمنا بها أياماً نعقر الأشجار ونستأصل بالتخريب الوجار ولسان الانتقام من عبـدة الأصنـام ينـادي يالثـارات الإسكندريـة تشفيـاً مـن الفجـار ورعيـاً لحـق الجـار وقفلنـا وأجنحة الرايات برياح العنايات خافقه وأوفاق التوفيق الناشئة من خطوط الطريق موافقـه وأسـواقٌ العـز باللـه نافقه وحملاء الرفق مصاحبة والحمد لله مرافقه وقد ضاقت ذروع الجبال عن أعناق الصهب السبال ورفعت على الأكفال ردفاء كرائم الأنفال وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال بالهندام والاحتيال وهلك بمهلك هذه الأم بناتٌ كن يرتضعن ثديها الحوافل ويستوثرن حجرها الكافـل شمل التخريب أسوارها وعجلت النار بوارها‏.‏

ثم تحركنا بعدها حركة الفتح وأرسلنا دلاء الإدلال قبل المنح فبشرت بالمنح وقصدنا مدينـة أبـدة وهي ثانية الجناحين وكبرى الأختين ومساهمة جيان في حين الحين مدينة أخذت عرض الفضاء الأخرق وتمشت فيه أرباضها تمشي الكتابة الجامحة في المهرق المشتملة على المتاجر والمكاسـب والوضـع المتناسب والفلج المعيي ريعه عمل الحاسب وكوارة الدبر اللاسب المتعددة اليعاسب فأناخ العفاء بربوعهـا العامـرة ودارت كـؤوس عقـار الحتـوف ببنـان السيـوف على متديريها المعاقرة ودخلت مدينتها عنوة السيف في أسرع من خطرة الطيـف ولا تسـأل عن الكيف فلم يبلغ العفاء من مدينةٍ حافلة وعقيلةٍ في حلل المحاسن رافلة ما بلغ من هذه البائسة التي سجدت لآلهة النيران أبراجها وتضاءل بالرغام معراجها وضفـت علـى أعطافهـا ملابس الخذلان وأقفر من كنائسها كناس الغزلان‏.‏

ثم تأهبنا لغزو أم القرى الكافرة وخزائن المزاين الوافرة وربـة الشهـرة السافـرة والأنبـاء المسافـرة قرطبـة ومـا أدرك ماهيـه ذات الأرجـاء الحاليـة الكاسيـة والأطـواد الراسخة الراسية والمباني المباهية والزهراء الزاهية والمحاسن غير المتناهيه حيث هالة بدر السماء قد استدارت من السور المشيد البناء ونهر المجرة من نهرها الفياض المسلول حسامه من غمود الغياض قد لصق بها جارا وفلك الدولاب المعتدل الانقلاب قد استقام مدارا ورجع الحنين اشتياقاً إلى الحبيب الأول وادكارا حيث الطود كالتاج يزدان بلجين العذب المجاج فيزري بتاج كسرى ودارا حيث قسي الجسور المديره كأنها عوج المطي الغريره تعبر النهر قطارا حيث آثار العامري المجاهد تعبق بين تلك المعاهد شذًى معطارا حيث كرائم السحائب تزور عرائس الرياض الحبائـب فتحمل لها من الـدر نثـارا حيـث شمـول الشمـال تـدار علـى الـأدواح بالغـدر والـرواح فتـرى الغصون سكارى وما هي بسكارى حيث أيدي الافتتاح تفتض من شقائـق البطـاح أبكـارا حيث ثغور الأقاح الباسم تقبلها بالسحر زوار النواسم فتخفق قلوب النجوم الغيارى حيث المصلـى العتيـق قـد رحـب مجـالاً وطـال منـارا وأزرق ببلـاط الوليـد احتقـارا حيث الظهور المثـارة بسلـاح الفلـاح تجـب عـن مثل أسنمة المهارا والبطون كأنها لتدميث الغمائم بطون العذارى والأدواح العالية تخترق أعلامها الهادية بالجداول الخبارا فما شئـت مـن جـوٍّ صقيـل ومعرس للحسن ومقيل ومالكٍ للعقل وعقيل وخمائل كم فيها للبلابـل مـن قـال وقيـل وخفيـف يجاوب بثقيل وسنابل تحكي من فوق سوقها وقضب بسوقها الهمزات فوق الألفات والعصافير البديعة الصفات فوق القضب المؤتلفات تميل بهبـوب الصبـا وجنـوب مائلـة الجيـوب بدرر الحبوب وبطاحٍ لا تعرف عين المحل فتطلبه بالذحل ولا تصرف في خدمة بيض قباب الأزهار عند افتتاح السوسن والبهار غير العبدان من سودان النخل وبحر الفلاحة الذي لا يدرك ساحله ولا يبلغ الطية البعيدة راحله إلى الوادي وسمر النوادي وقرار الدمـوع الغـوادي المتجاسر على تخطيه عند تمطيه الجسر العادي والوطن الذي ليس من عمرو ولا يزيد والفرا الذي في جوفه كل صيد أقل كرسيه خلافة الإسلام وأعار بالرصافة والجسر دار السلام وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام أو تعبر به عن ذلك الكمال فنون الكلام‏.‏

فاعملنا إليها السرى والسير وقدنا إليها الخيل وقد عقد الله بنواصيها الخير‏.‏

ولمـا وقفنـا بظاهرهـا المبهـت المعجـب واصطففنـا بخارجهـا المنبـت المنجب والقلوب تلتمس الإعانة من منعمٍ مجزل وتستنزل مدد الملائكة من منجدٍ منزل والركائب واقفة من خلفنا بمعزل تتناشـد فـي معاهـد الإسلـام‏:‏ ‏"‏ قفـا نبك من ذكرى حبيب ومنزل برز من حاميتها المحاميه ووقود النار الحاميه وبقية السيف الوافرة على الحصاد الناميه قطـع الغمائـم الهاميـه وأمـواج البحـور الطاميـه واستجنـت بظلـال أبطـال المجـال أعـداد الرجـال الناشبـة والراميـة وتصـدى للنـزال من صناديدهـا الصهـب السبـال أمثال الهضاب الراسيه تجنهاجنن السوابغ الكاسيه وقواميسها المفادية للصلبان يوم بوسها بنفوسهـا المواسيـه وخنازيرهـا التـي عدتهـا عـن قبـول حجـج اللـه ورسوله ستور الظلم الغاشيه وصخور القلوب القاسيه فكان بين الفريقين أمام جسرها الذي فـرق البحـر وحلـي بلجينـه ولآلـيء زينـه منها النحر حربٌ لم تنسج الأزمان على منوالها ولا أتت الأيام الحبالى بمثل أجنة أهوالها من قاسها بالفجار أفك وفجر أو مثلها بجفر الهبـاءة خـرف وهجـر ومـن شبههـا بحرب داحسٍ والغبراء فما عرف الخبر فليسأل من جرب وخبر ومن نظرها بيوم شعب جبله فهو ذو بله أو عادلها ببطن عاقل فغير عاقل أو احتج بيوم ذل قار فهو إلى المعرفـة ذو افتقـار أو ناضـل بيـوم الكديـد فسهمـه غيـر السديـد إنما كان مقاماً غير معتاد ومرعـى نفوسٍ لم يف بوصفه لسان مرتاد وزلزال جبال أوتاد ومتلف مذخور لسلطان الشيطان وعتـاد أعلـم فيـه البطـل الباسل وتورد الأبيض الباتر وتأود الأسمر العاسل ودوم الجلمد المتكاسل وانبعث من حدب الحنية إلى هدف الرمية الناشر الناسل ورويت لمرسلات السهام المراسـل‏.‏

ثـم أفضـى أمـر الرمـاح إلـى التشاجـر والارتبـاك ونشبت الاسنة في الدروع نشب السمك في الشباك ثم اختلط المرعى بالهمل وعـزل الردينـي عـن العمـل وعـادت السيـوف مـن فـوق المفارق تيجانا بعد أن شقت غدر السوابغ خلجانا واتخـذت جـداول الـدروع فصـارت بحـرا وكان التعانق فلا ترى إلا نحراً يلازم نحرا عناق وداع وموقف شمل ذي انصداع وإجابة منـادٍ إلى فـراق الأبـد وداع واستكشفـت مـآل الصبـر الانفـس الشفافـة وهبـت بريـح النصـر الطلائـع المبشرة الهفافة ثم أمد السيل ذلك العباب وصقل الاستبصار الألباب واستخلص العزم صفوة اللبـاب وقـال لسـان النصـر ادخلـوا عليهـم البـاب فأصبحـت طوائـف الكفـار حصائـد مناجـل الشفار فمفارقهم قد رضيت حرماتها بالاعقار ورؤوسهم محطوطة في غير معالم الاستغفار وعلت الرايات من فوق تلك الأبراج المستطرفة والأسوار ورفرف على المدينة جناح البوار لولا الانتهاء إلى الحد والمقدار والوقوف عند اختفاء سر المقدار‏.‏

ثم عبرنـا نهرهـا وشددنـا بأيـدي اللـه قهرهـا وضيقنـا حصرهـا وأقمنـا بهـا أيامـاً تحـوم عقبـان البنود على فريستها حياما وترمي الأرواح ببوارها وتسلط النيران على أقطارها فلولا عائق المطر لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر فرأينا أن نروضها بالاجتثاث والانتساف ونوالي على زروعها وربوعها كرات رياح الاعتساف حتى يتهيأ للإسلام لوك طعمتها ويتهنأ بفضل الله إرث نعمتها ثم كانت عن موقفها الإفاضة من بعد نحر النحور وقذف حمار الدمار على العدو المدحور وتدافعت خلفنا السابقات المستقلات تدافع أمواج البحور‏.‏

وبعـد أن ألححنـا علـى جناتهـا المصحـرة وكرومهـا المشتجـرة إلحاح الغريم وعوضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم وطـاف عليهـا طائـفٌ مـن ربنـا فأصبحـت كالصريـم وأغرينـا حلـاق النار بحمم الجحيم وراكمنا في أجواف أجوائها غمائم الدخان تذكر طيبة البان بيوم الغميم وأرسلنا رياح الغارات لا تذر من شيءٍ أتت عليه إلا جعلته كالرميم واستقبلنا الوادي يهول مدا ويروع سيفـه الصقيـل حـدا فيسـره اللـه مـن بعـد الإعـواز وانطلقـت علـى الفرضـة بتلـك العرضة أيدي الانتهاز وسألنا من ساءله أسد بن الفرات فأفتى برجحان الجواز فعم الاكتساح والاستباح جميع الأحواز فأديـل المصـون وانتهبـت القـرى وهدمـت الحصـون واجتثـت الأصـول وحطمـت الغصـون ولـم نرفـع عنهـا إلـى اليـوم غـارةً تصافحهـا بالبـوس وتطلـع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس‏.‏

فهي الآن مجرى السوابق ومجر العوالي على التوالي والحسرات تتجدد في أطلالها البوالي وكأن بها قد صرعت وإلى الدعوة المحمدية قد أسرعت بقدرة من لو أنزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدعت وعزة من أذعنت الجبابرة لعزه وخنعت وعدنـا والبنـود لا يعـرف اللـف نشرهـا والوجـوه المجاهـدة لا يخالـط التقطيب بشرها والأيدي بالعروة الوثقـى معتلقـه والألسـن بشكـر نعـم اللـه منطلقـه والسيـوف فـي مضاجـع الغمـود قلقـه وسرابيل الدروع خلقه والجياد من ردهـا إلـى المرابـط والـأواري رد العـواري حنقـه وبعبـرات الغيظ المكظوم مختنقه تنظر إلينا نظر العاتب وتعود من ميادين المراح والاختيـال تحـت حلـل السلاح عود الصبيان إلى المكاتب والطبل بلسان العز هادر والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر ووجود نوع الرماح مـن بعـد ذلـك الكفـاح نـادر والقاسـم ترتـب بيـن يديـه مـن السبـي النوادر ووارد منهل الأجور غير المحلإ ولا المهجور صادر ومناظر الفضـل الآتـي عقبـه أخيـه الثاني على المطلوب المواتي مصادر والله على تيسير الصعاب وتخويل المنن الرغاب قادر لا إله إلا هو فما أجمل لنا صنعه الخفي‏!‏ وأكرم بنا لطفه الحفي‏!‏ اللهم لا نحصي ثناءً عليك ولا نلجأ منك إلا إليك ولا نلتمس خير الدنيا والآخر إلا لديك فأعد علينا عوائد نصرك يا مبديء يا معيد وأعنا من وسائل شكرك على ما ننال به المزيد يا حي يا قيوم يا فعالاً لما يريد‏.‏

وقارنت رسالتكم الميمونة منه لدينا حدق فتح بعيدٍ صيته مشرئـب ليتـه وفخـر مـن فـوق النجوم العوائم مبيته عجبنا من تأتي أمله الشارد وقلنا البركة في قدوم الوارد وهو أن ملك النصارى لاطفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت والتماثيل فيها ببيوت الله قد نصبت أدالها اللـه بمحاولتنـا الطيـب مـن الخبيـث والتوحيـد مـن التثليـث وعـاد إليهـا الإسلام عودة الأب الغائـب إلـى النبـات الحبائـب يسـأل عـن شؤونهـا ويمسـح دمـوع الرقـة عـن جفونهـا وهـي للـروم خطـة خسـفٍ قلمـا ارتكبوهـا فيمـا نعلـم مـن العهـود ونادرةٌ من نوادر الوجود وإلى الله علينا وعليكم عوارف الجود‏!‏ وجعلنا في محاريب الشكر من الركع السجود‏!‏ عرفناكم بمجملات أمورٍ تحتها تفسير ويمنٌ من الله وتيسير إذ استيفاء الجزئيات عسير لنسركم بمـا منـح اللـه دينكم ونتوج بعز الملة الحنيفية جبينكم ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم فإن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض وكفيلٌ بالمواهب المسؤولـة مـن المنعـم الوهـاب ميفـاض وأنتم أولى ما ساهم في بر وعامل الله بخلوص سر وأين يذهب الفضل عن بيتكم وهو صفة حيكـم وتـراث ميتكـم ولكـم مزيـة القـدم ورسـوخ القـدم والخلافـة مقرها إيوانكم وأصحاب الإمام مالكٍ رضي الله عنه مستقرها قيروانكم وهجير المنابر ذكـر إمامكـم والتوحيـد أعلـام أعلامكم والوقائع الشهيـرة فـي الكفـر منسوبـةٌ إلـى أيامكـم والصحابـة الكـرام فتحـة أوطانكـم وسلالـة الفـاروق عليـه السلـام وشائـج سلطانكـم ونحـن نستكثـر مـن بركـة خطابكم ووصلة جنابكم ولولا الأعذار لوالينا بالمتزيدات تعريف أبوابكم‏.‏

والله عز وجل يتولى عنا من شكركم المحتـوم مـا قصـر المكتـوب منـه عـن المكتـوم ويبقيكـم لإقامة الرسوم ويحل محبتكم من القلوب محل الأرواح من الجسوم وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم ويوالي نعمه عندكم‏.‏

والسلام الكريم الطيب البر العميم يخصكم كثيراً أثيراً ما أطلـع الصبـح وجهـاً منيـراً بعـد أن أرسل النسيم سفيراً وكان الوميض الباسم لأكواس الغمائم على أزهار الكمائم مديراً ورحمة الله وبركاته إن شاء الله تعالى‏.‏

الطرف الثامن في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا في صدر الإسلام إلى من في معناهم وكـان الغالب في مكاتباتهم الافتتاح بأما بعد والتعبير عن المكتوب عنه بلفظ الوحدة وخطاب المكتوب إليه بالكاف‏.‏

كمـا كتـب الحجـاج بـن يوسـف إلـى المهلـب بن أبي صفرة وهو يومئذ نائبٌ عن الحجاج على بعض الأعمال والحروب‏:‏ اما بعد فإنك تتراخى عن الحرب حتى تأتيك رسلي ويرجعون بعذرك وذلك أنـك تمسـك حتـى تبـرأ الجراح وتنسى القتلى ويجم الناس ثم تلقاهم فتحتمل منهم مثل ما يحتملون منك من وحشة القتل وألم الجراح ولو كنت تلقاهم بذلك الحد لكان الداء قد حسم والقرن قد قصم ولعمري ما أنت والقوم سواء لأن من ورائك رجالاً وأمامك أمـوالاً وليـس للقـوم إلا معهـم ولا يدرك الوجيف بادبيب ولا الظفر بالتعذير‏.‏

وكما كتب المهلب إلى الحجاج مجيباً له عن ذلك‏.‏

أما بعد فإني لم أعط رسلك على قول الحق أجراً ولم أحتج فيهم مع المشاهدة إلى تلقين‏.‏

فذكرت أني أجم القوم ولابد من راحة يستريح فيها الغالب ويحتال المغلوب‏.‏

وذكرت أن في الجمـام تنسـى القتلـى وتبـرأ الجراح وهيهات أن ينسى ما بيننا وبينهم‏.‏

يأبى ذلك قتل من لم يجن وقروحٌ لم تعرق ونحن والقوم على حالة وهم يرقبون منا حالاتٍ إن طمعوا حاربوان وإن ملوا وقفوا وإن يئسوا انصرفوا وعلينا أن نقاتلهم إذا قاتلـوا ونتحـر إذا وقفـوا ونطلـب إذا هربـوا فـإن تركتنـي فالـداء بـإذن اللـه محسـوم وإن أعجلتنـي لـم أطعـك ولـم أعص وجعلت وجهي إلى بابك وأنا أعوذ بالله من سخطه ومقت الناس‏.‏

الطرف التاسع في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى الملوك ومن في معناهم على ما كان عليه مصطلح أهل المشرق المكاتبات الصادرة عن الملوك إلى الملوك وهو على ثلاثة أضرب الضرب الأول أن تكون المكاتبة عن ملك إلى غير ملك ورسمهم أن يفتح الكتاب بلفظ كتابنا إليك في يوم كذا ومن مكان كذا والأمر على كذا وكذا ويذكر الحـال التـي عليهـا المكتـوب عنـه حيـن إذن أو التـي عليهـا الخليفـة إن كـان المكتـوب عنـه مـن أتبـاع الخليفـة أو التـي عليهـا الملـك إن كـان مـن أتبـاع الملـك ونحو ذلك ويكون التعبير في هذه المكاتبة عن المكتـوب عنه بنون الجمع والخطاب للمكتوب إليه بالكاف‏.‏

ولا يقال في المكتوب إليه في هذه الحالة‏:‏ سيدي ومولاي ولا سيدنا ولا مولانا‏.‏

وبذلك يكتب عن الملوك ومن في معناهم من سائر الرؤساء إلى المرؤسين‏.‏

ثم هو على مرتبتين‏:‏ المرتبة الأولى أن يراعى جانب المكتوب إليه في الرفعة بعض المراعاة‏.‏

كمـا كتـب أبـو إسحـاق الصابي عن صمصام الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه إلى الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة في الشفاعة في شخص من بعض ألزامه‏:‏ كتابنا آدام الله تأييده الصاحب الجليل كافي الكفاة وإن وثقنا من المسؤولين بالإيجاب والإجابة ومن المأمورين بالامتثال والطاعة فإنا نخص بكتبنا الصادرة عنا في المأرب العارضة لنا من خصبت من كلا الفريقين نهضته إليها وظهرت مثابرته عليها وإذا انتهينا إليه آدام الله عزه في ذلـك عددنا مع ما قدم الله عندنا من رتبته في الطبقة الأولى وميزنا مع ما وفر الله علينا من طاعته عن الطبقة الأخرى وأنسنا منه عادةً مشكورة في اتباع محبوبنا والإسعاف بمطلوبنـا ليسلـس لنـا إلـى مخاطبتـه قيـادٌ يتقاعـس عمـن سـواه وتنبسـط منا في مكاتبته أنامل تتجعد عمن لا يجري مجراه ولا سيما إذا كان ذلك في مكرمة يطيب ثناؤها ومنقبة يشاد بناؤها والله يمده وكتابنـا هذا أدام الله عز الصاحب الجليل كافي الكفاة مبني على إذكاره بحق لنا رعيناه وذمام من أجله أوجبناه وذلك أسد لإحكامه وألزم لإيجابه وأوكد لأسبابه وقد عرف مكـان أبـي منصور يزداها دار بن المرزبان من خدمتنا وموقعه في جملتنا وتوفر حظه من جميل رأينـا وخالص اعتقادنا ومن أوجه وسائله لدينا التي أوجبت له ذلك علينا أنا لا نزال عـده عليـه من الاعتداد بإحسان الصاحب الجليل كافي الكفاة إليه وإلى أبيه من قبله والاعتراف بأنه أيده الله أبو عذرة صنعه والسابق إلى الجذب بضبعه ولمن كان أقرله من ذلك معروفٌ لا ينكر ودخل من الثناء عليه في إجماع لا يخرق فقد بين عن نفسه أنه ممن يطيق حمل المنن ويحسن مصاحبة النعم ويستحق أن تقر عنده أسلافها وتدر عليها أخلافها إذ لم يذهله الربوع فيها عـن التحيد من اصطرافها وانصرافها ولم يلهه التوسط لها عن حياطة أطرافها وأكنافها ومن لنا اليوم بالشكور الذي لا يغمط والذكور الذي لا ينسى والعليم بما يلزمه والقؤوم بما يحق عليه‏.‏

وأعلمنا حال قريبين له يقال لهما الفركان بن حرزاد ورستم بن يزد وأنهما تصرفا في بعض الخدمـة تصرفـاً تزايـلا فيـه عـن نهـج السـداد وسنـن الرشـاد واقتضـى ذلـك أن طلبـا بالتقويـم والتهذيب وولجا مضيق القصاص والتأديب وأنه قد مضت لهما فيه مدةٌ طويلة في مثلها ما صلح المعاقب واكتفى المعاقب وسؤاله لهما ومرادنا له فيهما شفاعة الصاحب الجليل كافـي الكفـاة إلى مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة في أن يسعهما العفو ويدركهما العطف إما باستخدام يتطوقان به المنن ويأذن لهما بانصراف إلى الوطن وقد استظهرنا بكتاب كتبناه في أمرهمـا‏:‏ هـذا الكتـاب يشتمـل عليه حتى إذا وجب أن يجعله الصاحب الجليل كافي الكفاة ذريعةً إلى الغرض ومطيةً إلى المقصد أمضى في ذلك رأيه وعقد عليه تدبيره‏.‏

فإن رأى الصاحب الجليـل أن يتوصـل فـي هـذا الأمـر إلـى مـا يشاكـل عادتـه عندنا في الأمور الواردة عليه فعل وتوخى في الجواب أن يكون متضمناً لذكر الفعل دون القول والإنجاز دون الوعد إن شاء الله تعالى‏.‏

وكما كتب الصابي عن صمصام الدولة المقدم ذكره إلى الصاحب بن عباد أيضاً في حالـة أخرى بسبب رد إقطاع إلى أبي جعفر محمد بن مسعود قرين كتابٍ إلى فخر الدولة‏:‏ كتابنا والسلامة لدينا راهنة وعادة الله لإقرارها ضامنة والحمد لله رب العالميـن والصاحـب الجليـل كافـي الكفـاة أدام اللـه تأييـده يعلـم أنـه لـم يزل لممالكنا أفنيةٌ تقام بها أسواق المكارم وتحيا بها سنن المحامد وقد جعله الله بتفضله الحافظ لجمال ذلك علينـا والضـارب بسهمـه فيـه معنـا فالحمـد للـه علـى أن قـرن الحظـوظ التي خولنا والمنازل التي نولنا بالخلائق الخليقة بها الداعية إلى استقرارها والطرائق المطرقة إلى ثباتها واستمرارها وأن زان أيامنا هذه الحاضرة بآثار الصاحب كافي الكفاة أدام الله عزه فيها الناضرة ومساعيه الرشيدة وأفعاله المستقيمة وأحاديثه وإذا كان مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة وفلك الأمة بالمحل الذي أهله الله له من استعذاب الإحسان إلى أوليائه وافتراض الإفضال على نصحائه وكان الصاحب الجليل بالحال التي هو بها من القيام بما حمل به المناب فيه عنه فقد وجب أن تكون الرعاية لذوي الحرمات مستحكمة الأسباب ثابتة الأطنـاب واضحـة الأعلـام ماضيـة الأحكـام ولا سيمـا فيمـن تعلـق منا بالعناية وأخذ من ذمامنا بالوثيقة وأبو جعفر محمد بن مسعود أيده الله جامعٌ للموات التي يستحـق بهـا اجتمـاع العنايـات سالفـاً صالحـاً في الخدمة وسابقةً متمكنة في الجملة واشتمالاً على كل ما وجبت به الحقوق ولزمت به الرعايات‏.‏

وذكر أنه كانت له بنواحـي الجبـل تسويغـاتٌ ومعايش أنعـم بهـا مولانـا الأميـر السيـد فخـر الدولـة عليـه فـي حـالٍ بعـد حـال وشرفـه بهـا فـي مقـام بعـد مقام منها كذا وكذا وإذا جمع الجميع كـان قليـلاً فـي جنـب مـا يفيضـه مولانـا الأميـر السيـد شاهنشاه فخر الدولة وفلك الأمة على خدمه من جليل عوارفه الجارية على يد الصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله تأييده والواصلة إلى مستحقيها بلطيـف توصلـه وجميـل معتقـده‏.‏

وكـان موقعـه جليـلاً عنـد أبـي جعفـر محمـد بـن مسعـود أيـده اللـه فـي جنب ما يصلح من شأنه ويقيم مـن جاهه ويرب من معايشه ويلم من حاله‏.‏

وقد كتبنا إلى مولانا في ذلك كتاباً مجملاً قصرناه علـى الرغبـة إليـه في رد هذه المعايش عليه وعولنا على الصاحب الجليل في إخراج أمره العالي بذلك له وإحكام المناشير والوثائق بجميعه والتقدم بمكاتبة العمال والولاة بتقوية أيدي أصحابه في استيفاء ما يجب من الأسلاف والبقايا على الأكرة والمزارعين والوكلاء والمعاملين وتأكيد الكتب بغاية ما تؤكد به أمثالها ويبلغ به أبو جعفر محابه كلها‏.‏

فإن رأى الصاحب الجليل أن يأتي في ذلك كله ما يجده ويعده ويرعاه ويحفظه جارياً على المألوف من مثابرته على ما عاد علينا وعليه معنا بطيب الذكر والبشر وثناء اليوم والغد فقد أنفذنا بهذا الكتاب ركائب لنا دلالة على خصوص متضمنة في تعلقه بالاهتمام منا فعل إن شاء الله تعالى‏.‏